انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة "التعصب الرياضي" أو ما يسمى" الهوس الرياضي" بين الشباب ، وذلك بسبب حبهم الشديد لمشاهدة مباريات كرة القدم، وتعصبهم لفريق معين ، وقد يؤدي هذا التعصب إلى حدوث نوع من الخصام والفرقة والتنابز بين الأفراد ، فضلا عن انتشار العنف ، وحول الحكم الشرعي كان لموقع الفقه الاسلامى هذا التحقيق
ضوابط في الممارسة والتشجيع
في البداية يقول الدكتور صبري عبد الرءوف ـ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ـ : الأصل في الرياضة أنها تهذيب للنفس البشرية ، وتربية على قوة التحمل ، وتحقيق الإرادة عن طريق صحيح ، أما ما نراه في عصرنا هذا من تعصب شديد وثورة وانفعال، فإن هذا الأمر لون من الفوضى والعبث، وهذا مرفوض لا يقره الدين ، و لا يقبله ؛ لأنه يتنافى مع الروح الرياضية التي شرعها الإسلام ، والتي تدرب الإنسان على حسن الخلق وعدم الثورة والانفعال والصبر الطويل من أجل تحقيق الغرض الذي ينشده الإنسان .
وأشار عبد الرءوف إلى أن شريعة الإسلام شجعت على الرياضة ، ورغبت فيها ، وكتب الفقه مليئة بهذه الأحكام تحت عنوان "السبق والرمي ".
وأضاف أن الرسول محمدا "صلى الله عليه وسلم " كان إذا مر بالصبيان وجدهم يلعبون ، وقف معهم ليشجعهم، وربما شارك الجميع.
وفى الأثر عن عمر "رضي الله عنه " قال : علموا أولادكم السباحة والرماية ، ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثبا "، وثبت أيضا أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال لمعلم ولده: "علم ولدى السباحة قبل الكتابة فإنه يجد من يكتب له ، ولا يجد من يسبح عنه".
وتابع : وهذا يؤكد أن الرياضة مشروعة ما لا تجلب ضررا ، ومادام الإنسان يتخلق بالأخلاق الرياضية ، سواء كان مشاهدا أو لاعبا ، فإنه بروح رياضية يقبل كل شيء.
ويتفق الدكتور رشاد خليل ـ عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سابقا ـ مع الرأي السابق في أن ممارسة الرياضة بمختلف ألعابها من الأمور التي شرعها الإسلام من أجل تقوية الجسم وتنمية البدن ، وذلك لقوله "صلى الله عليه وسلم": ( المؤمن القوى خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف ) ، ولكن ما يحدث في هذه الآونة أخذت مسلكا يؤدى إلى التنافر والتباعد ؛ بسبب التعصب الذي كان في الجاهلية ، وهذا التعصب لا يقبله الإسلام ؛ وذلك لقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(آل عمران).
ونوه أن التعصب والفرقة والتنابز يرفضها الإسلام رفضا قاطعا ولا يقررها ، مشيرا إلى أنه لا تعصب في الدين.
ليس منا من دعا إلى عصبية
ويرى الدكتور حمدي صبح ـ أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهرـ أن التعصب الكروي يعتبر نوعا من الغلو في تشجيع نادٍ أو فريقٍ ، وهو غير جائز شرعا لأنه "صلى الله عليه وسلم" حذر من كل أنواع التعصب ؛ وذلك لقوله ليس منا من دعا إلى عصبية) وجاءت كلمة "عصبية " نكرة بعد نفى ليس ، وذلك للعموم والشمول ، وقد حذر القرآن الكريم والسنة من الغلو حتى في الدين ، وأمر بالتوسط والاعتدال حتى في ضروريات الحياة ؛ وذلك لقوله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم) ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ).
سلوكيات محرمة
وأضاف أن التعصب الكروي يتضمن أمورا كثيرة ، كلها منهي عنها شرعا منها:
1- الغيبة : حيث يذكر المتعصب لاعبي ومدربي الفريق الآخر في غيبتهم بما يكرهون.
2- الظلم وعدم الإنصاف : وذلك للتهويل والتقليل من قدرات ومهارات لاعبي ومدربي الفريق الآخر، وإشاعة ذلك بين الآخرين ، كسبهم وشتمهم. وقد يصل الآمر إلى سباب مشجعيهم والتشاجر معهم وضربهم ، بل وقتل بعضهم ، مع أن سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ، والرسول " صلى الله عليه وسلم " بين أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
ونوه أن الرياضة في الإسلام من الأمور التحسينية ، أي التي تزيد بها حياتهم جمالا . والأمور التحسينية لا يجوز أن تؤدى إلى إخلال بشيء من الضروريات، كحفظ النفوس والأموال والأعراض، فإن أدى تشجيع الرياضة إلى ذلك كانت ممنوعة شرعا من باب أولى.
دعوة لممارسة الرياضات المفيدة
ويقول الدكتور محمد المختار المهدي ـ رئيس الجمعية الشرعية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بحسب موقع الجمعية الشرعية : يحث الإسلام على اللياقة البدنية ، وعلى القوة الجسمية ؛ وسيلة لهدف كبير هو استخدامها في الدفاع عن الإسلام ضد أعدائه المتربصين، وقد أشار القرآن الكريم لميزة " طالوت" حين عينه الله ملكًا على بني إسرائيل (اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) "سورة البقرة آية رقم 247"،وحين وصى الإسلام بذلك ، لم يجعلها فرجة أو مشاهدة ، ولكنه طلبها ممارسة وأداءً، وإذا كانت الكرة قد صارت الآن أشهر أنواع الرياضة، فإن الإسلام لا يمنع من ممارستها بهدف تقوية الجسم، ودقة التصويب للهدف.. لكن بشرط التزام الأدب الإسلامي في الممارسة، وقبول نتيجة المباراة بالنصر أو الهزيمة.
أما أن أكتفي من الرياضة بمشاهدتها، وأنا قادر على ممارستها، فذلك ضرب من الكسل والعبث، وأما أن يصاحب هذه المشاهدة تعصب وحركات هستيرية بحجة التشجيع، فهذا غير لائق بكرامـة الإنسان المعتز بوقاره وعقله، وأما أن يخاصم أصدقاءه وزملاءه حين يبدون رأيهم في مهارة فريق لا يحبه، فذلك تقطيع لأواصر الصلات في المجتمع .
وأغلب الظن أن هذه المظاهر المؤلمة ما نتجت إلا عن شعور الشباب بالفراغ والضياع حين وجدوا أنفسهم غير مرتبطين بهدف يعملون من أجله، ولو ارتبط الشاب فعلاً بدينه وعقيدته لوجد الواجبات أكثر من الأوقات؛ وعلاج ذلك الانتقال من المشاهدة إلى الممارسة والإحساس بالهدف والمسئولية.
فتوى العلامة ابن جبرين
وقد أفتى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ـ رحمه الله ـ بحسب موقع مراحب عندما سئل عن حكم التعصب الرياضي قائلا :
"يَحْرُمُ هذا التعصب إذا كان بغير مُبرر، وبغير دليل، وقد حدث من آثار هذا التعصب كثرة الخلافات، والمنازعات، والمخاصمات، من ذلك التعصب للمذاهب الاعتقادية، ونصرة تلك العقيدة مع ظهور بطلانها، كتعصب الرافضة لمُعتقدهم مع ما يظهر فيه من البُطلان، والخُرافات، والأكاذيب، فيتمسكون بها ويردون لأجلها الأدلة الواضحة الصحيحة، وكذلك التعصب للاعبين؛ فإن هذه الفرق، وهذه النوادي كلهم من أهل اللهو، واللعب، ومصلحتهم تختص بهم بما يحصل لهم من الجوائز، ومن تقوية الأبدان، ونشاط العضلات، ولا يحصل شيء من ذلك لمن يُشجع هذا الفريق، أو يتحامل على هذا الفريق، وإنما يحصل هؤلاء المُتعصبون على الخلافات، والمُنازعات بحيث إن بعضهم يُعادي أخاه، ويُقاطع قريبه إذا كان كُلٌ منهما ينتمي لفريق.
التعصب الرياضي يؤدي إلى الفسوق
ويرى محمد مسعد ياقوت ـ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين و المشرف العام على موقع نبي الرحمة ـ وذلك بحسب ما ورد بالموقع: إن التعصب هو الميل المفرط لفئة ما على حساب المبادئ والقيم، كأن ينتمي الشخص إلى قبيلة أو مذهب أو فرقة رياضية، يوالي من أجلها ويعادي في سبيلها، ويحبُ فيها، ويبغض فيها، ويتمحور حولها في أفكاره وسلوكياته، فضلاً عن الولاء والبراء من أجل الفساق والماجنين، ونحن لا نشك في فسق من نذر حياته ومماته للكرة . قال الله تعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)" [المائدة : 55 - 57].
وتطرق إلى حُكم التعصب الرياضي من وجه النظر الشرعية قائلا :
1- التعصب عمومًا مذموم، ونستطيع أن نستدل على حرمة التعصب الرياضي من خلال المفاسد والخسائر التي أدى إليها؛ من شجار بين الجماهير المشجعة، وحرق أعلام الدول، وتدابر المسلمين، وتشاتم الشعوب،{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53
2- والحق، أن هؤلاء لا يغضبون لله، وإنما يتقاتلون عصبية وحمِيةً، وبعضهم يفقد حياته من أجل الكرة ؛ وذلك لقوله "صلى الله عليه وسلم "- :
"مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ".
3- كما أن هؤلاء المتعصبين للكرة، إنما ينطلقون في تشجيعهم لفريق دون فريق من منطلق عرقي بحت أو قبلي محض، وليس تشجيعًا لصاحب الأخلاق أو حتى صاحب المهارات:عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قَالَ كُنَّا في غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ الأنصاري : يَا لَلأَنْصَارِ !! وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ !! فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ : « مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ » قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ . فَقَالَ « دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ».
بينما زكى النبي – صلى الله عليه وسلم – الأشعريين لتآلفهم وتكافلهم وتعاونهم، فقال : إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".
4- والتعصب سلوكٌ ذمه اللهُ - عز وجل - في أخلاق كفار مكة، فقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الفتح26
5- وهو كذلك من أخلاق المنافقين، {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8.
6- والتعصب الرياضي، لا يخلو من كلمة بذيئة، أو سبة شنيعة، وأنت قد سمعت شيئًا من تلك الألفاظ التي نشرتها بعض الصحف وصدرت عن بعض لاعبي المنتخب المصري والمنتخب الجزائري على حد سواء ـ في تلك المبارتين المشهورتين الشؤمتين، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قال: « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا في النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ».
وقَالَ – صلى الله عليه وسلم - : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"[6].
7 - كما أن التعصب الرياضي لا يعصم المرء من الوقوع في ظلم الآخرين، والحُكم عليهم وفق الهوى، وقد يبخس أحدهم الآخر حقًا؛ بسبب مثل هذه الولاءات الباطلة، وقد يعادي الجارُ جاره بسبب أنه يشجع فريقًا رياضيًا معينًا. قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8، وقال أيضًا : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }.
وفي الأثر : قيل ما العصبية ، قالوا : أن تُعين قومك على الظلم.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الذي رُدِّىَ[7] فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ.
وأضاف أن هناك آثار التعصب الرياضي تتمثل في :
1- شق صفوف المسلمين، وإحداث الفتن والقلاقل بين الشعوب، والاحتكام إلى مقياس فاسد للتفاضل بين الشعوب، وهو مقياس اللعب ، غير أن الله تعالى قال : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ حدثني مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لعربي عَلَى أعجمي، وَلاَ لعجمي عَلَى عربي ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ ».
2- شغل الشباب عن القضايا الكبرى للأمة، وحشرهم في ميادين الكرة واللهو لا في ميادين العمل والإنتاج والجهاد، ولقد كان من عادة فرعون مصر أن يجمع الناس في يوم الزينة، من أجل اللهو واللعب؛ لينشغل الناسُ عن الحق، {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ }الشعراء، 39، 40.
وقال – صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا تبا يعتم بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ». وهذا في من انشغل بالزرع عن الجهاد، فما بالك بمن انشغل باللعب.
3- ظهور جيل من الشباب ساذج تافهة إِمَّعَةً، يسير وراء كل ناعق، ولا يقوى على خدمة الإسلام. شبابٌ لسان حاله يقول : {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ }المدثر45، {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ }الزخرف83
ومن الأقوال الحكيمة: " الناس ثلاثة : عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق...".
4- زيادة معدل جرائم القتل والإعداد على الآخرين، فكثيرًا ما يتشاجر جماهير الفريقين قبل وبعد المباراة .
5- التحرش الجنسي بالفتيات، وهذا لا يخلوا من مباراة حيث الزحام والاختلاط والتبرج. {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30
6- الأثر النفساني السلبي الواقع على نفوس المتعصبين، خاصة الاكتئاب والقلق ، والانكسار النفسي عن الهزيمة، والعلو والاستكبار عند الفوز، وهشاشة الرأي، وسرعة الغضب لأهون الأسباب . عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً ، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ».
7- الأمراض المترتبة على ذلك، كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين، وكثيرًا ما تحدث حالات من الإغماءات والسكتات القلبية والجلطات الدماغية بين صفوف الجماهير المتعصبة سواءً في أرض المباراة أو أمام التلفاز، ولقد قص لنا شيخٌ فاضل أن امرأةً حدثته عن وفاة زوجها على إثر هدف فرح به فرحًا شديدًا أدى إلى وفاة الرجل.
8- الانشغال عن الواجبات، والتفريط في الطاعات، والغفلة عن الذكر والقرآن،{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }المجادلة19
9- انتشار الشائعات والأراجيف، حيث الخبثاء يكذبون، والسفهاء ينقلون، فيزيد الأمر سوءًا بعد سوء، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6.
10 – أكل الأموال بالباطل، حيث يتكسب من وراء هذا التعصب الرياضي، أناسٌ يقتاتون على مثل هذه التفاهات، حيث تطبع المنشورات والمطبوعات والتسجيلات التي تعمق من هذا التعصب، وتعقد حلقات النقاش والحوارات والتحقيقات، ويُأتي بمن يطلق عليهم " محللين رياضيين". وجميعُ هؤلاء وغيرهم يتكسبون من وراء التفاهات . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29.
فتوى الشيخ المنجد
ويقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية نقلا عن جريدة إيلاف : إن على المسلم أن يكون جاداً في حياته مشتغلا بما خُلِق من أجله وهو عبادة الله وحده، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وأن يربأ بنفسه عن مثل هذه الأمور التي تضرّه في دينه ودنياه وتشغله عن مصالحه الدنيوية والأخروية.
والقاعدة المقررة عند أهل العلم في المباحات أن ما شغل عن الواجبات، أو صار وسيلة إلى ارتكاب محرم، فإنه يكون حينئذ حراما، وأما ما شغل عن المستحب ولا يكون وسيلة إلى محرم، فإنه يكون حينئذ مكروها، وما لا يشغل عن هذا ولا ذاك ، فإنه يكون مباحا على الأصل، ومن نظر في أحوال المشجعين وجدهم قد انهمكوا في التشجيع، وغفلوا عن كثير من الواجبات ، ومن ذلك ترك الصلاة في الجماعة وتأخيرها عن وقتها وغير ذلك مما لا يخفى، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحدس، فلا شك في التحريم حينئذ، إضافة إلى ما يصاحب ذلك من تعلق القلب وانشغاله، والحب والبغض من أجلها، والموالاة والمعاداة بسببها.